«إنها معجزة، الآن أستطيع أن أتكلم.. أتكلم.. أتكلم، شكراً لمن منحتنى هذه المعجزة ووهبتنى حنجرتها هى وعائلتها، إنها وهبتنى الحياة»، لا يستطيع من يستمع إلى برندا جنسن وهى تقول أول جملة لها بعد خرس استمر 11 سنة إلا أن يبكى معها، هى بالفعل معجزة علمية طبية، إنها ليست فقط زرع حنجرة ولكنها زرع أمل، امرأة تبلغ من العمر 52 عاماً زرعت «كلية وبنكرياس» 2006 وتتناول مثبطات مناعة منذ هذا الوقت، وأثناء جراحة سابقة سنة 1999 فقدت القدرة على الكلام ومعها فقدت حاستى الشم والتذوق وتم تركيب أنبوبة فى القصبة الهوائية للتنفس الذى فقدت القدرة عليه هو الآخر، كانت تغمغم بكلمات غير مفهومة بواسطة جهاز إلكترونى، ولكن كل محاولات التواصل كانت فاشلة، فى أحد المراكز الطبية بكاليفورنيا المتخصصة فى أبحاث وجراحات الصوت والبلع، قرر الأطباء أن يخوضوا التجربة، وجدوا برندا جنسن حالة مناسبة جداً، حيث إنها خاضعة بالفعل للمثبطات وهذا يقلل نسبة الرفض، ظلوا سنتين يجربون على حيوانات وجثث خطوات العملية، فريق جراحى ضخم مقسم إلى فريقين، كل منهما على جانب، أما تفاصيل العملية نفسها فهى أكبر من معجزة.

المحاولة السابقة لزرع الحنجرة التى تمت منذ أكثر من عشر سنوات كانت محاولة غير مشجعة، فهذا الصندوق الصوتى معقد جداً، فهو ليس مجرد غضاريف وأحبال صوتية، ولكن هناك شرايين وأوردة وأعصاباً غاية فى الدقة، ومعظمنا يتذكر رفض كوكب الشرق أم كلثوم إجراء عملية الغدة الدرقية لخوفها من التأثير على عصب الصوت الذى يمر من خلالها، وهذه مجرد عملية روتينية فما بالك بهذه العملية المعقدة، التى استغرقت الجراحة 18 ساعة، تم خلالها زرع الحنجرة والغدة الدرقية وستة سنتيمترات من القصبة الهوائية من امرأة توفيت فى حادث، وبالطبع تفاصيل الحفاظ على التروية الدموية لهذه الأعضاء قبل وأثناء العملية الجراحية قصة طويلة ومعقدة من يريد الاطلاع على تفاصيلها سيجدها فى موقع مركز «يو سى ديفيز» الطبى.

هل كانت الجراحة هى كل شىء؟، بالطبع لا، بعدها دخلت السيدة جنسن مرحلة أخطر وهى مرحلة التأهيل بتدريبات البلع والكلام والتنفس التى استمرت شهراً كاملاً، فهى قد نسيت كل هذه الحواس والمهارات الأتوماتيكية السابقة، الصوت هو صوتها وليس صوت المتوفاة التى أخذوا منها الأعضاء!!.

تصريحات الأطباء الأمريكان فى هذا المركز الذى استعان بخبرة طبيب إنجليزى شهير فى هذا الميدان، وتصريحات المريضة هى قصة درامية بكل معنى الكلمة، ما قرأته من تفاصيل الجراحة والتأهيل والتدريب والتحدى وبث الأمل والتفاؤل كان شيئاً من الخيال الذى أثبت لى أن الحلم الجسور والخيال الجامح الذى بلا سقف هما مكوناً أساسيان من مكونان العلم بوجه عام والطب بوجه خاص.